التفتت يمنة ويسرة تتأكد من أن لا احد يراقبها ولا احد يتبعها رغم صعوبة حدوث ذلك فالجو مليء بالغيوم وماطر والليل شديد السواد لا تستطيع حتى أن ترى عتبة المنزل الذي أمامها
هذا المنزل الذي بحثت عنه طويلا حتى عثرت عليه لتسلمه وتؤمنه على اغلي ما لديها
هذا المنزل الذي يساوي قطعة من لحمها استأصلتها بسكين مسنن ادمي أوصالها ومزق أحشائها
تعثرت في أطراف ملابسها وهي تنحني نحو الدرج لتضع ما تحمل بين يديها برفق شديد حطته على عتبة المنزل لكن بسرعة البرق عاودت حمله قبل أن يلامس الأرض وبدأت تبحث عن شيء تفرشه لما بين يديها فالعتبة مبتلة
دارت حول المنزل حتى وجدت قطعة حصير ملقاة تحت شجرة عسى كانت متكئا لشخص متعب
حملتها بإطراف أصابعها ورجعت إلى باب المنزل ففرشتها وقبلت ما تحمل بين ذراعيها وغرسته في حضنها وكأنها تتمنى لو استطاعت إدخاله إلى قلبها
وضعت ما بين يديها برفق شديد وأدارت ظهرها بسرعة شديدة وغادرت دون أن تلتفت وأسرعت في خطاها لكنها توقفت فجأة عندما سمعت صراخ الصغير يلاحقها بعد أن صعقته الأرض ببرودتها ولسعه فحيح الجو الماطر
فرجعت من حيث غادرت وهي لا تدري كم من الوقت استغرقت لفعل ذلك
حملته بين أحضانها وجرت مسرعة وكأنها تخشى أن تقيدها جدران البيت وتأخذ منها رضيعها الذي حل على الدنيا رغما عنها
رضيعها الذي كان اصله حبا مجنونا وتصرفا طائشا
رضيعها الذي جاء الى الدنيا جبرا وليس اختيار
ضمت اليها الرضيع وتابعت سيرها وذهنها شارد فارغ من الافكار
لم يتوقف الصغير عن الصراخ وكأنه يعاقبها على فعلتها الشنعاء فجلست على الرصيف واخرجت بيديها المرتجفتين ثديها الصغير الذي لم ترتسم عليه علامات الانوثة الكاملة واقحمت حلمته في ثغره المفتوح وتاهت في ضباب المجهول
لكن قطرات الحليب الذي تسربت الى صدرها بعد ان اكتفى الصغير من الاقتيات بها جعلها تستيقظ من من شرودها وتتابع سيرها وتدعو ربها ان يفرجها فقد خارت قواها وتوقف عقلها عن التفكير
اقترب الخيط الاسود ان يتميز عن الخيط الابيض وبدأت ملامح الصبح تكسو وجه السماء وهي مازالت تزحف في طريق لا نهاية لها
وقفت برهة قرب الجامع تنظرالى جمع من الناس يغادرونه
اتجه نحوها شيخ يشع الوقار من وجهه يسألها عن سبب تواجدها هنا في هذا الوقت المبكر رغم برودة الجو لم تستطع اجابته الا بدموع غزيرة انصبت من مقلتيها
رق قلب الشيخ لها وطلب ان تتبعه الى بيته
ترددت في فعل ذلك لكنها لم تجد بديلا لذلك
تبعت خطاالشيخ حتى وقف امام بيت طيني من طابق واحد فتحه وناد على صاحبته الملقبة "بأم احمد" فحضرت في حينها وطلب منها ان تكرم ضيفته وتحسن مقامها
دعتها "ام أحمد" للدخول ورجبت بها خير ترحيب
قضت سلوى اليوم كله غافلة عما يدور حولها فلم تشارك مضيفيها لا بالحديث ولا بالاستماع
لم تقدر "ام أحمد" ان تكبت فضولها اكثر من ذلك فبادرتها بالسؤال عما يكدر صفوها
ففهمت سلوى مقصدها وبدأت في سرد عذابها ولخصته في جمل بسيطة لكنها عميقة ودالة
روت من دون تفاصيل كيف ان ابن خالتها كان لها الاخ والصديق والحبيب وكيف انهما تقاربا حتى غرقا في بحر الممنوع مؤمنين بنهاية سعيدة لكن كلمة القدر كانت اقوى من سوط الجلاد والحكم الذي نطق به والدها كان بمثابة مشنقة قبضت روحها
فوالدها يرفض هذا الزواج لان الاقتران بالاقارب كلسعة العقارب غضب الحبيب من هذا الرفض وهاجر الى بلاد بعيدة وهو لا يدري انه خلف من ورائه حياة تعيش في احشاء حبيبته
انهت سلوى حكايتها والدموع تقيد نبرات صوتها ولا تجد راحة الا بتنهيدة تهرب من سجن الحزن الذي يعتقلها
قامت "ام أحمد" وضمتها لصدرها وطمأنتها وعرضت عليها ان تكون الأبنة التي لم تحضى بها وان تعيش معهما معززة مكرمة
لكن سلوى لم تحتج للتفكير فقد كان الرفض مسطرا على طرف لسانها لان والديها لا يعرفان بعد بالمشكل لان خالتها قد سترت عليها حتى انجبت وبالتالي هي لا تريد قهرهما برحيلها وهروبهما
ساد صمت غريب داخل الغرفة جمد الوجوه والتعابير
لكن صوت الشيخ كسر هذا الجمود باقتراح ارتاح له الكل الا قلب سلوى الذي ظل متعلقا برضيعها بعدما اودعته بين احضان" ام احمد" وغادرت وهي توصيهم به وتعدهم بالزيارة كلما سنحت لها الفرصة
رافقها الشيخ الى المحطة وودعها وهو يتمنى لها حظا طيبا ويطمئنها على فلذة كبدها
9 التعليقات:
احجز مكان واقراء وارجع
ابو فارس الهمام حجز وجرى
انا بقى قريت وجايا اعلق
سردك للقصه شيق للغاليه ولكن سلوى يا ترى ح تقدر تبعد بالسهوله دى عن رضيعها
ده اللى ح نعرفه الحلقه القادمه
كل سنه وانتى طيبه يا اجمل شهر زاد
روعه تسلم يدك قصة جميلة جدا
هوه فيه ام بتبعد عن ابنها؟
احساس مرهف قلم جميل
اتمنا لك كل التوفيق
نتظر المزيد
دمدي بالف خير
مرمر
عمرنا ما عملنها
ما تعودنا علي الهروب
أحيانا يكون الهروب هو الحل الأمثل لكل .. ما عدا لصاحبه .. لكن عدم اختيار المواجهة بواقع الأمر سيصعب القضية ويجعلها تأخذ أبعاد أخرى!!
في انتظار البقية .. دمني بخير.
اخي ابو فارس
الام انسان وللانسان حالات صعف قد تصادفه في حياته ويتصرف فيها بمعزل عن الدور الذي يمارسه في الحياة
دام لي قلمك يتبع خطوات وسطور المدونه
مرمر حبيبتي يقال الضروريات تبيح المحضورات وسلوى لم يكن لها خيار اخر والقصة مفتوحة اختاري النهاية اللي تحبي وابعثيها لي
دمت بالف خير
جنون عبقري
والله كلامك زين ويحمل في طياته حقائق طالما غفلنا عليها بل اسقطنا من حلولنا بدعوى المجتمع والناس
لكن يبقى الهروب حلا ولكل حل نتاشجه السلبية والايجابية
دمت في رعاية الرحمان
إرسال تعليق