الجمعة، 10 سبتمبر 2010

فات الميعاد _الجزء الاول_




التفتت يمنة ويسرة تتأكد من أن لا احد يراقبها ولا احد يتبعها رغم صعوبة حدوث ذلك فالجو مليء بالغيوم وماطر والليل شديد السواد لا تستطيع حتى أن ترى عتبة المنزل الذي أمامها

هذا المنزل الذي بحثت عنه طويلا حتى عثرت عليه لتسلمه وتؤمنه على اغلي ما لديها

هذا المنزل الذي يساوي قطعة من لحمها استأصلتها بسكين مسنن ادمي أوصالها ومزق أحشائها

تعثرت في أطراف ملابسها وهي تنحني نحو الدرج لتضع ما تحمل بين يديها برفق شديد حطته على عتبة المنزل لكن بسرعة البرق عاودت حمله قبل أن يلامس الأرض وبدأت تبحث عن شيء تفرشه لما بين يديها فالعتبة مبتلة

دارت حول المنزل حتى وجدت قطعة حصير ملقاة تحت شجرة عسى كانت متكئا لشخص متعب

حملتها بإطراف أصابعها ورجعت إلى باب المنزل ففرشتها وقبلت ما تحمل بين ذراعيها وغرسته في حضنها وكأنها تتمنى لو استطاعت إدخاله إلى قلبها

وضعت ما بين يديها برفق شديد وأدارت ظهرها بسرعة شديدة وغادرت دون أن تلتفت وأسرعت في خطاها لكنها توقفت فجأة عندما سمعت صراخ الصغير يلاحقها بعد أن صعقته الأرض ببرودتها ولسعه فحيح الجو الماطر

فرجعت من حيث غادرت وهي لا تدري كم من الوقت استغرقت لفعل ذلك

حملته بين أحضانها وجرت مسرعة وكأنها تخشى أن تقيدها جدران البيت وتأخذ منها رضيعها الذي حل على الدنيا رغما عنها

رضيعها الذي كان اصله حبا مجنونا وتصرفا طائشا

رضيعها الذي جاء الى الدنيا جبرا وليس اختيار

ضمت اليها الرضيع وتابعت سيرها وذهنها شارد فارغ من الافكار

لم يتوقف الصغير عن الصراخ وكأنه يعاقبها على فعلتها الشنعاء فجلست على الرصيف واخرجت بيديها المرتجفتين ثديها الصغير الذي لم ترتسم عليه علامات الانوثة الكاملة واقحمت حلمته في ثغره المفتوح وتاهت في ضباب المجهول

لكن قطرات الحليب الذي تسربت الى صدرها بعد ان اكتفى الصغير من الاقتيات بها جعلها تستيقظ من من شرودها وتتابع سيرها وتدعو ربها ان يفرجها فقد خارت قواها وتوقف عقلها عن التفكير

اقترب الخيط الاسود ان يتميز عن الخيط الابيض وبدأت ملامح الصبح تكسو وجه السماء وهي مازالت تزحف في طريق لا نهاية لها

وقفت برهة قرب الجامع تنظرالى جمع من الناس يغادرونه

اتجه نحوها شيخ يشع الوقار من وجهه يسألها عن سبب تواجدها هنا في هذا الوقت المبكر رغم برودة الجو لم تستطع اجابته الا بدموع غزيرة انصبت من مقلتيها

رق قلب الشيخ لها وطلب ان تتبعه الى بيته

ترددت في فعل ذلك لكنها لم تجد بديلا لذلك

تبعت خطاالشيخ حتى وقف امام بيت طيني من طابق واحد فتحه وناد على صاحبته الملقبة "بأم احمد" فحضرت في حينها وطلب منها ان تكرم ضيفته وتحسن مقامها

دعتها "ام أحمد" للدخول ورجبت بها خير ترحيب

قضت سلوى اليوم كله غافلة عما يدور حولها فلم تشارك مضيفيها لا بالحديث ولا بالاستماع

لم تقدر "ام أحمد" ان تكبت فضولها اكثر من ذلك فبادرتها بالسؤال عما يكدر صفوها

ففهمت سلوى مقصدها وبدأت في سرد عذابها ولخصته في جمل بسيطة لكنها عميقة ودالة

روت من دون تفاصيل كيف ان ابن خالتها كان لها الاخ والصديق والحبيب وكيف انهما تقاربا حتى غرقا في بحر الممنوع مؤمنين بنهاية سعيدة لكن كلمة القدر كانت اقوى من سوط الجلاد والحكم الذي نطق به والدها كان بمثابة مشنقة قبضت روحها

فوالدها يرفض هذا الزواج لان الاقتران بالاقارب كلسعة العقارب غضب الحبيب من هذا الرفض وهاجر الى بلاد بعيدة وهو لا يدري انه خلف من ورائه حياة تعيش في احشاء حبيبته

انهت سلوى حكايتها والدموع تقيد نبرات صوتها ولا تجد راحة الا بتنهيدة تهرب من سجن الحزن الذي يعتقلها

قامت "ام أحمد" وضمتها لصدرها وطمأنتها وعرضت عليها ان تكون الأبنة التي لم تحضى بها وان تعيش معهما معززة مكرمة

لكن سلوى لم تحتج للتفكير فقد كان الرفض مسطرا على طرف لسانها لان والديها لا يعرفان بعد بالمشكل لان خالتها قد سترت عليها حتى انجبت وبالتالي هي لا تريد قهرهما برحيلها وهروبهما

ساد صمت غريب داخل الغرفة جمد الوجوه والتعابير

لكن صوت الشيخ كسر هذا الجمود باقتراح ارتاح له الكل الا قلب سلوى الذي ظل متعلقا برضيعها بعدما اودعته بين احضان" ام احمد" وغادرت وهي توصيهم به وتعدهم بالزيارة كلما سنحت لها الفرصة

رافقها الشيخ الى المحطة وودعها وهو يتمنى لها حظا طيبا ويطمئنها على فلذة كبدها


9 التعليقات:

أبو فارس يقول...

احجز مكان واقراء وارجع

mrmr يقول...

ابو فارس الهمام حجز وجرى
انا بقى قريت وجايا اعلق

mrmr يقول...

سردك للقصه شيق للغاليه ولكن سلوى يا ترى ح تقدر تبعد بالسهوله دى عن رضيعها
ده اللى ح نعرفه الحلقه القادمه
كل سنه وانتى طيبه يا اجمل شهر زاد

أبو فارس يقول...

روعه تسلم يدك قصة جميلة جدا
هوه فيه ام بتبعد عن ابنها؟
احساس مرهف قلم جميل
اتمنا لك كل التوفيق

نتظر المزيد

دمدي بالف خير

أبو فارس يقول...

مرمر
عمرنا ما عملنها
ما تعودنا علي الهروب

جنون عـبقري يقول...

أحيانا يكون الهروب هو الحل الأمثل لكل .. ما عدا لصاحبه .. لكن عدم اختيار المواجهة بواقع الأمر سيصعب القضية ويجعلها تأخذ أبعاد أخرى!!

في انتظار البقية .. دمني بخير.

شهرزاد يقول...

اخي ابو فارس
الام انسان وللانسان حالات صعف قد تصادفه في حياته ويتصرف فيها بمعزل عن الدور الذي يمارسه في الحياة
دام لي قلمك يتبع خطوات وسطور المدونه

شهرزاد يقول...

مرمر حبيبتي يقال الضروريات تبيح المحضورات وسلوى لم يكن لها خيار اخر والقصة مفتوحة اختاري النهاية اللي تحبي وابعثيها لي
دمت بالف خير

شهرزاد يقول...

جنون عبقري
والله كلامك زين ويحمل في طياته حقائق طالما غفلنا عليها بل اسقطنا من حلولنا بدعوى المجتمع والناس
لكن يبقى الهروب حلا ولكل حل نتاشجه السلبية والايجابية
دمت في رعاية الرحمان